مجلس النوابالبرلمانمجلس المستشارين

You are here


الخطب الملكية

خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة افتتاح السنة التشريعية 2001-2002

> الجمعة 12 أكتوبر 2001

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه


حضرات السيدات والسادة أعضاء البرلمان المحترمين : 

يغمرنا شعور مزيج من الاعتزاز العميق والتساؤل الملح والعزم الواثق ونحن نفتتح السنة البرلمانية الخامسة التي تتزامن مع انتهاء انتداب مجلس النواب في مثل هذا الموعد من السنة القادمة.

أما مبعث الاعتزاز فلأن هذه الولاية التشريعية شكلت نقلة نوعية في تعزيز الصرح الديموقراطي لما حققه والدنا المنعم جلالة الملك الحسن الثاني قدس الله روحه من إجماع وطني حول الدستور وما أبدعه وقاده من تناوب توافقي على تحمل المسؤولية الحكومية حرصنا منذ اعتلائنا العرش على ترسيخه بمساهمة فاعلة لكل القوى الحية للبلاد أغلبية كانت أو معارضة. 

وأما التساؤل الملح فعن مدى قيامكم على الوجه الأمثل بمسئوليتكم اعتبارا لما نتحمله من أمانة عظمى وبصفتنا الممثل الأسمى للأمة في ضمان السير الأمثل للمؤسسات وضرورة استشعاركم أفرادا وفرقا نيابية لمدى أدائكم للمسؤولية الملقاة على عاتقكم على الوجه الأكمل داعين لاستخلاص العبر مما شاب هذه الولاية التشريعية من أوجه القصور لا للتنقيص من المكانة المركزية للبرلمان في نظامنا الملكي الدستوري، بل للعمل على تحصين مؤسساتنا الديموقراطية من كل الشوائب والإختلالات.

ولبلوغ هذا الهدف الأسمى فإن عزمنا واثق على أن نجعل من نزاهة الانتخابات المدخل الأساسي لمصداقية المؤسسات التشريعية، حريصين على أن تتحمل السلطات العمومية والأحزاب السياسية مسؤولياتها كاملة في توفير الضمانات القانونية والقضائية والإدارية لنزاهة الاقتراع وتخليق المسلسل الانتخابي. 

ومن هذا المنطلق وترسيخا لمستوى النضج المتقدم الذي بلغه الصرح الديموقراطي الوطني الذي يجعل من الانتخابات، على أهميتها السياسية لحظة عادية ومنتظمة في حياة الأمة، وتوضيحا للرؤية أمام الفاعلين السياسيين أغلبية ومعارضة، موفرين لهم تكافؤ الفرص في مجال المعرفة المسبقة لموعد الانتخابات فإننا نعلن اليوم أن الانتخابات النيابية ستجرى خلال شهر شتنبر القادم إن شاء الله.

واعتبارا للدور الأساسي لمشروع مدونة الانتخابات في البلورة العملية لإرادتنا الراسخة في إجراء انتخابات نزيهة معبرة بكل حرية وصدق عن اتجاهات الرأي العام فإننا ندعو كل الفاعلين السياسيين إلى التمسك بفضائل التوافق الوطني وتغليب المصلحة العامة والحوار المثمر من أجل تعزيز الضمانات القانونية لمصداقية الانتخابات. 

كما أن التفعيل المتواصل لمفهومنا الجديد للسلطة وإصلاح القضاء قد جعلا كل الفاعلين السياسيين على اختلاف مشاربهم يتطلعون بثقة وطمأنينة لسهر الأجهزة الإدارية والقضائية على سلامة الاستحقاقات المقبلة.

ومهما تكن أهمية التدابير المتخذة وحرص أجهزة الدولة فإن ضمان نزاهة الاقتراع يظل رهينا بمدة فعالية الأحزاب السياسية باعتبارها الرافد الأساسي للعملية الانتخابية. لذلك ننتظر منها التعبئة من أجل المشاركة المكثفة الواعية والنوعية الجيدة للمرشحين والمنافسة الشريفة.

وإن الروح الوطنية تملي علينا العمل من أجل أن يكون هنالك فائز واحد هو الديموقراطية المغربية التي تجد كل المشارب السياسية الوطنية موقعها الحقيقي فيها ضمن مشهد سياسي سليم.

وتعزيزا لدور الأحزاب في هذا المجال فإننا ندعوكم لإيلاء اهتمام خاص لمشروع القانون الجديد المنظم لها، آملين أن يمكن كل النخب الوطنية من ممارسة العمل السياسي بمعناه النبيل من خلال وسيلته المثلى المتجسدة في الأحزاب السياسية.

وإيمانا منا بأن الديموقراطية تظل صورية ما لم تعتمد التنمية الاقتصادية والاجتماعية سندا لها فقد أولينا العناية الكاملة لتحفيز الاستثمار لأن كل خطوة نخطوها في هذا المجال من شأنها أن توطد ديموقراطيتنا وتعيد الأمل للمحرومين وخاصة الشباب منهم وترسخ ثقتهم في حاضر ومستقبل وطنهم .

ومهما تكن وجاهة أي سياسة تنموية محفزة على الاستثمار فإنها تظل رهينة بنجاعة الأجهزة الإدارية والقضائية القادرة على النهوض بها.

وإدراكا منا بأن فعالية الأجهزة الإدارية مرتبطة بالعنصر البشري المؤهل لإصلاح الإدارة من الداخل وجعل سيرها مطبوعا بروح التدبير الفعال وخدمة المواطن والتنمية، فإننا عازمون على متابعة تأهيل الموارد البشرية في جميع مرافق الإدارة والقطاع العامين وامدادهما بكفاءات جديدة كما فعلنا عند تعييننا لمجموعة من الولاة ومسؤولي المقاولات والمؤسسات العمومية حتى نجعل من الإدارة والقطاع العام الفاعل الاقتصادي الأول المحفز للاستثمار والمندمج في حركة التنمية الشاملة.

كما أننا مصممون بنفس العزم على السهر على مواصلة إصلاح القضاء الذي يتعين عليه أن يطور موارده البشرية وأجهزته ومساطره ليستجيب لمتطلبات العدل والتنمية عن طريق ترسيخ سيادة القانون والشفافية والنزاهة والإنصاف والسرعة في الإنجاز على مستوى إصدار الأحكام وتنفيذها، مشيعا بذلك روح الثقة المحفزة على الاستثمار.

وقد حرصنا على بلورة سياسة مجددة هادفة إلى إزاحة كل العراقيل والمساطر والأجهزة المعيقة للاستثمار وتوفير الوسائل الكفيلة بالنهوض به من خلال قرارات هامة ستشكل تحولا نوعيا في مسار التدبير اللامتمركز للمشاريع الاستثمارية من خلال إحداث مراكز جهوية للاستثمار محددين ذلك في رسالة ملكية سامية مختومة بالطابع الشريف سنوجهها قريبا لوزيرنا الأول.

حضرات السيدات والسادة 

إن هذه الدورة البرلمانية تنعقد في ظروف دولية دقيقة.

ومن موقع التزامه الثابت بالشرعية الدولية وبمكافحة الإرهاب بكل أشكاله وكذا بحكم انتمائه للأمة العربية والإسلامية ومناصرته لقضاياها العادلة وفي طليعتها قضية الشعب الفلسطيني الشقيق، فإن المغرب عندما يعبر عن تضامنه المطلق مع الموقف الدولي المجمع على مناهضة الإرهاب وتجفيف منابعه بكل الوسائل المشروعة، ليؤكد أن القضاء على الإرهاب واستئصاله من جذوره ينبغي أن يندرج ضمن منظور شمولي يستهدف المزيد من استتباب السلم وتحقيق العدل والإنصاف في النظام الدولي بكيفية تضع حدا لكل مآسي الفقر والظلم والقهر والإقصاء وبؤر التوتر في كل مناطق العالم على حد سواء وفي مقدمتها منطقة الشرق الأوسط حيث يتعرض الشعب الفلسطيني الأعزل لشتى أنواع التقتيل والاضطهاد في كفاحه المشروع من أجل إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

إن هذه الظروف الدولية العصيبة المنفتحة على شتى الاحتمالات تملي علينا جميعا التحلي بالمزيد من الالتحام الوطني ورص الصفوف وتغليب المصالح العليا للبلاد وإيثارها على ما عداها من المطالب الفئوية والحسابات الضيقة مهما كانت مبرراتها والتشبث بقيم الحكمة والاتزان والاعتدال التي مكنت المغرب ولله الحمد من اجتياز كل الصعاب جاعلا منها خير محفز على مضاعفة الجهود للدفاع عن وحدته الترابية ولمواصلة مسيرته التنموية معبئا لذلك كل طاقاته بعزم وتفاؤل وثبات وطمأنينة وتماسك معززا بذلك دوره الفاعل في محيطه الجهوي والدولي.

إن معركة المغرب الأساسية ليست بين مجتمع مدني وآخر سياسي، ولا بين أفراد وأحزاب، وكيفما كانت نتائج الاقتراع بالنسبة لأعضاء مجلس النواب فإن الذين سيعاد انتخابهم مطالبون بإثراء العمل النيابي بتجربتهم للرفع من مستوى الأداء البرلماني. وأما الذين لن يحالفهم الحظ للفوز بانتداب نيابي جديد فإننا ندعوهم لاستثمار ما اكتسبوه من خبرة في تدبير الشأن العام من أجل مواصلة خدمة وطنهم التي لا يعد البرلمان إلا إحدى مجالاتها.

وإن واجب المواطنة يدعونا للتخلي عن الأنانيات للانصهار في ضمير جماعي وطني واحد من أجل بناء مغرب قوي وديموقراطي يسير بخطى ثابتة على طريق التقدم " وفي ذلك فليتنافس المتنافسون". صدق الله العظيم والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

والسـلام عليكـــم ورحمـــة الله