مجلس النوابالبرلمانمجلس المستشارين

You are here


الخطب الملكية

خطاب جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه بمناسبة افتتاح الدورة الأولى للبرلمان:السنة التشريعية 1964 - 1965

> الأربعاء 18 نونبر 1964

الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله


لقـد مضت سنة كاملة على مباشرة الشعب المغربي للحياة الدستورية و مزاولتكم أنتم المهام النيابية التي سنها دستور البلاد بعد أن ارتضته الأمة قاعدة لنظامها, وإطارا لمختلف ألوان النشاط السياسي ولقد كان حقا علينا أن نتتبع باهتمام كبير سير المؤسسات الدستورية الفتية التي أبرزناها للوجود و أعطينا بمحض اختيارنا و صريح إرادتنا كثيرا مما كنا نضطلع به من مهام قبل إرساء قواعد الملكية الدستورية و تثبيت دعائمها, نعم لقد كان حقا على ملك البلاد الضامن لدوام الدولة و استمرارها و الساهر على احترام الدستور والقائم بصيانة حقوق المواطنين و الجماعات و الهيئات أن يرقب عن كتب المؤسسات الدستورية وينظر هل تسير سيرها المرسوم وتسلك نهجها المعلوم نحو الغاية المطلوبة و الأهداف التي استوجبت إيجادها ودعت إلى إقامتها وأنه لمن دواعي سرورنا وبواعث اغتباطنا, أن تدل التجربة و المراس على أن الديمقراطية التي نومن بها أشد ما يكون الإيمان و التي أردنا ملكا وشعبا أن تنسجم فيها المحافظة على مقومات كياننا الوطني و السير قدما في مضمار الرقي والنهوض الوطني لن يمر على هذه الديمقراطية زمن طويل حتى تصبح بحول الله ثابتة الأركان وطيدة الدعائم.

حضرات السادة :

لقد أخذتم منذ سنة في تطبيق أحكام الدستور وقطعتم في هذا الميدان أشواطا بعيدة يحذوهم الشعور بما لكم من مسؤوليات نحو الشعب الذي يراقب ما تقدمون و ما تؤخرون وما تذرون, وكان تطبيقكم للدستور تطبيقا أساسه الرغبة الصادقة في العمل الصالح فاستطعتم بفضل ما بين ممثلي الأمة وبين ملكها من تجاوب قوي مكين أن يبلغوا بهذا التطبيق شأو الأمم التي سلكت قبلنا سبل الديمقراطية واكتسبت في هذا المضمار التجربة الواسعة و الخبرة الراسخة, ولئن دل الحوار الذي اكتسى أحيانا شيئا من الحدة بين السلطة التشريعية و السلطة التنفيذية على أن هناك اختلافا في الرأي وتباينا بين وجهات النظر، فقد دل من جهة أخرى على أن للسلطة التشريعية كامل الحرية في مراقبة أعمال السلطة التنفيذية و على أن كليهما حية متحركة تجتهد اجتهادا محمودا لتحقيق ما تراه محمودا للبلاد وها نحن وقد مر عام على سير المؤسسات الدستورية نقف أمامكم مستبشرين بهذا السير معتزين بعد المقابلة بين جوانب الإيجاب والسلب، بالخطى التي تخطوها الديمقراطية في بلادنا فرحين بتركيز الحياة السياسية تركيزا من شأنه أن يوجه الجدل إلى الوجوه النافعة المجدية, ويجعل الديمقراطية عاملا من العوامل المكيفة لحياتنا العامة .

لقد مارس الجهاز التنفيذي الحقوق المخولة له بمقتضى الدستور فطرح على نشاط مناقشاتهم مشاريع القوانين التي أعدها, ومارستم من جهتكم حقوقكم في تقديم المقترحات ووضع خطط العمل للحكومة وانعقدت الدورتان العاديتان, وأجاب أعضاء الحكومة على ما وجهتم إليهم من أسئلة وتقدم طائفة من أعضاء مجلس النواب بملتمس رقابة تناول سياسة الحكومة بالنقد و الزم الحكومة بالدفاع عن سياستها وخططها ولقد نشأ بين نواب الأمة خلاف حول مدلول بعض أحكام الدستور فلجأوا إلى تحكيمنا في موضوع هذا الخلاف لما لنا من حق السهر على احترام الدستور, فلم يجر ببالنا قط ونحن عاكفون على تصفح وجهات النظر بهذا الشأن أن نعزز جانبا وأن نخذل جانبا , وننتصر لطائفة ونفت في عضد طائفة أخرى, وإنما رجعنا إلى أنفسنا واستحضرنا المفاهيم و المدلولات التي أردناها لهذه الأحكام فحسمنا الخلاف برعاية حقوق الاقلية الدستورية وتأتي بذلك انعقاد الدورة الاستثنائية كل هذا يدل دلالة جلية واضحة على أن لممثلي الأمة حقوقا مرعية لا يعتريها نقص ولا يصيبها شلل ولا تعطيل وليس حرصنا على ضمان حقوق الهيئات المنتخبة بأقل من حرصنا على صيانة حقوق الأفراد و الجماعات, فالديمقراطية ببلادنا سائرة و الحمد لله في الطريق الذي أردناه لها صادقة غير كاذبة لا كبت فيها لإرادة ولاحرمان فيها من حرية مشروعة .

إن من آكد الواجبات الملقاة على عواتقنا جميعا أن نتجنب كل ما من شأنه أن يعرض الغرس الذي غرسناه و البنيان الذي بنيناه إلى التلف و الاندثار أن تعلقنا بالديمقراطية وحرصنا على أن تكون عريقة الجذور باسقة وارفة يفرضان علينا أن نحوطها ونحميها ونصد عنها الأعاصير التي يمكن أن تعصف بها كما يحتميان علينا أن نتنكب سبيل الشهوات والأهواء حتى تتصف بالجد والرزانة و الحكمة, وتفضى إلى الغاية المنشودة من إقامتها ولن يكون للديمقراطية معنى صحيح إلا إذا استقر في أذهان الجميع أن تمثيل الأمة ليس بالمهمة اليسيرة وأن كرسي الحكم ليس بالكرسي الوثير ولن يكون عمل مختلف السلط عملا يرجى من ورائه العائدة الحسنة إلا إذا تضافرت جهودكم وجهود السلطة التنفيذية وتكاثفت مختلف المساعي لتحقيق ما نأمل تحقيقه لفائدة البلاد من رقي و ازدهار ينتظم سائر الميادين الاقتصادية منها و الإجتماعية, فالمهمة المسندة إليكم تتطلب منكم أن تمنعوا النظر في الواقع المغربي وتحموا حاجياته وتتعرفوا على مشاكل البلاد وقضاياها الكبرى وتجتهدوا في إيجاد الحلول الناجعة المناسبة لهذه المشاكل و القضايا .

فإذا خلصت نيات الجميع وصدقت العزائم وقدرتم المسؤوليات حق قدرها وآثرتم اعتبار المصالح العليا على كل اعتبار واستبدلتم الشقاق والنفار بالتعاون و الوئام وجريتم في حلبة السباق و التنافس مستهدفين الخلق و الإبداع و الابتكار وانصرفتم عن المواقف السلبية إلى المواقف البناءة, واحللتم القصد والاعتدال محل التطرف والمغالاة فلن تكتسب ديمقراطيتنا الفتية حقيقة قوة ومناعة فحسب بل سيكون في قيامها على هذه الأسس و المبادئ ما ينير سبل لعمل ويسهل علينا اختيار القيم و الاتجاه الصالح.

حضرات السادة النواب والمستشارين : 

إنكم مقبلون على أعمال تتطلب منكم أن تفرغوا لها, وتكدوا وتجتهدوا حتى تؤتي الثمرات المرجوة منها فانصرفوا إليها بما أوتيتم من ذكاء وقدرة على العمل المتواصل وحرص على استعمال الزمن استعمالا تذهب معه الجهود سدى ولا يسفر عن نتائج سلبية .

وإننا إذ نصرح بافتتاح الدورة العادية في هذا اليوم المبارك الميمون الذي نحتفل فيه بذكرى مجيدة نسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبت أقدامكم, وينجح مسعاكم, ويكلل جهودنا وجهودكم بالفوز المبين, ويوفقنا جميعا إلى ارساء استقلالنا على أساس متين, إنه نعم المولى ونعم المعين.

والسـلام عليكـــم ورحمـــة الله