مجلس النوابالبرلمانمجلس المستشارين

You are here


الخطب الملكية

خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة افتتاح السنة التشريعية 2000-2001

> الجمعة 13 أكتوبر 2000

الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه


حضرات السيدات والسادة أعضاء البرلمان
يطيب لنا أن نفتتح الدورة الخريفية للبرلمان من منطلق تشبعنا بالديموقراطية في مؤسستها التمثيلية 
تلكم الديموقراطية التي إن مورست من قبل ديموقراطيين كانت رافعة قوية للتنمية الشاملة وإن شابتها ممارسات انتخابية غير سليمة تحولت إلى عبء على الأمة.
فهل من قدرنا أن تكون الممارسة الديموقراطية السليمة نوعا من الحلم الضائع أو السراب الخادع.
بلى إن الدولة عازمة كل العزم بإصرار وفعالية لإعطاء الممارسة الديموقراطية مدلولها الحقيقي السليم المتسم بحرية الاختيار وتطهير قدسيتها من كل الممارسات المشينة.
وحرصا من جلالتنا على ترسيخ الصرح الديموقراطي وجعله أساسا متينا لما نتوخاه من إقلاع اقتصادي وتآزر اجتماعي، فإنه يسعدنا، كما وعدنا بذلك شعبنا العزيز في خطاب العرش، أن نتناول هذا الصرح بالتحصين منطلقين من قاعدته الأساسية المتمثلة في الجماعات المحلية.
ولكي تنهض هذه الجماعات بدورها كفاعل اقتصادي واجتماعي أساسي ، فقد آن الأوان لاستبدال تدبيرها الإداري البيروقراطي بتدبير ديموقراطي مسؤول محفز للاستثمار.
وفي هذا الصدد فإننا ندعو الحكومة والبرلمان إلى الانكباب بروح المسؤولية والحوار المثمر على وضع وإقرار النصوص الكفيلة بتمكين المجالس المحلية من القيام بما ننتظره منها من دور الشريك الفاعل في عملية التنمية.
وهكذا فإن إصلاح ميثاق الجماعات المحلية،الجماعية والإقليمية والجهوية ينبغي أن تحكمه المقاصد الأربعة التالية:
ـ أولا: تحسين نظام ووضعية المنتخب وإيجاد أحسن نسق للتدبير المحلي، وذلك على سبيل المثال لا الحصر، من خلال تحديد تحمل المهام التنفيذية في المرشحين المتوفرين على حد أدنى من المؤهلات والتكوين ومنع تعدد الانتدابات المحلية.
ـ ثانيا: تعزيز آليات حماية المصالح العمومية عن طريق الفصل الواضح بين الوظيفتين التداولية والتنفيذية ومنع المنتخب من إقامة علاقات مصلحية وخاصة مع الجماعة التي هو عضو فيها، وتقوية المراقبة الخارجية بواسطة الافتحاص والمجالس الجهوية للحسابات.
ـ ثالثا : توسيع مجال التدبيرالمحلي من خلال توسيع اختصاصات المجالس المحلية وصلاحيات رئيسها وتحويل الاختصاصات والاعتمادات ضمن منظور متقدم للامركزية واللاتمركز وعبر التخفيف من الوصاية بترجيح المراقبة البعدية على المصادقة القبلية والمراقبة القريبة على الوصاية المركزية والتقليص من آجال المصادقة على مقررات المجالس المحلية والإقرار بحق الاستشارة المسبقة والتوقيع بالعطف على قرارات ممثلي الدولة وصلاحية الطعن في القرارات غير المطابقة لمداولات المجلس.
ـ رابعا: إحداث نظام جديد لإدارة المدن يكرس مبدأ وحدة المدينة المسيرة من قبل مجلس المدينة الذي يمارس كافة المسؤوليات البلدية وإلى جانبه مجالس للمقاطعات بمثابة وحدات فرعية غير متمتعة بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي مكلفة بتدبير الشؤون التي تتطلب القرب من المواطنين.
ومن شأن هذا النظام أن يضمن للمدينة وحدة تدبيرها وتهيئة مجالها وتنميتها مع تمتيع المواطنين والمستثمرين بإدارة قريبة لتلبية ما يحتاجونه من خدمات أساسية.
وحتى تنهض المجالس الجهوية بالدور الذي ننتظره منها كفاعل أساسي في التنمية الاقتصادية والتكافل الاجتماعي والتدبير المجالي، فقد أصدرنا تعليماتنا لحكومتنا قصد الإسراع بإصدار كل النصوص التنظيمية الخاصة بها وتفعيل صندوق التضامن للتنمية الجهوية.
ومن أجل تفعيل دور الجهة في الإقلاع الاقتصادي ، فإنه من اللازم أن يتوفر كل مجلس جهوي على منظور استراتيجي شمولي ومتناسق لتنمية الجهة وعلى بنك لمشاريع الاستثمار الممكن إنجازها في دائرة ترابه أو بالتشارك مع جهات أخرى. وهذا مع اعتماد آليات لتقويم وتكييف وتحيين وإعادة توجيه عملية التنمية الجهوية أخذا بعين الاعتبار ما يعرفه المحيط الاقتصادي والتكنولوجي من تحولات ومستجدات متسارعة.
وفي نفس السياق الرامي إلى حفز الاستثمار وتسهيله ، فإن الشباك الوحيد الفعال المخاطب للمستثمر ليس بالضرورة هو الشباك الوطني الأوحد، بل هو الشباك الموحد على صعيد كل جهة وإقليم نظرا لتعامله المباشر مع عمليات الاستثمار.
ولهذه الغاية، يتعين احداث شباك وحيد للاستثمار جهويا لدى كل وال واقليميا لدى كل عامل مع تحديد أجل معقول وسريع للبث في ملفات مشاريع الاستثمار.
وإننا لعازمون على مواكبة إصلاح مدونة الجماعات المحلية بإصلاحات متقدمة تهم القانون الانتخابي والتقطيع الانتخابي والجماعي والمالية المحلية ونظامي الموظفين والأملاك الجماعية، غايتنا المثلى في ذلك خلق فضاءات منسجمة للتنمية وجبايات محلية محفزة على الاستثمار تتسم بالشفافية والعقلنة والتقليص من العدد المرتفع للضرائب والرسوم المحلية إلى أدنى عدد ممكن في إطار التناسق التام بين الجبايات المحلية والوطنية لجعلها جميعها من الأدوات الأساسية لتشجيع الاستثمار المنتج وتوفير الموارد الضرورية لتمويل التنمية المحلية والعمليات ذات النفع العام .
وستتم مراجعة النظام الانتخابي في اتجاه ترسيخ الديموقراطية وحرية الاختيار وذلك بتحسين الآليات الانتخابية قصد ضمان الشفافية والتعبير الانتخابي الحر وتخليق المسلسل الانتخابي وجعله ذا مصداقية كفيلة بضمان تحمل مسؤولية تدبير الشأن العام من طرف نخبة متشبعة بفضائل خدمة الدولة والمرفق العام والاستقامة والنزاهة.
حضرات السيدات و السادة أعضاء البرلمان 
إن الحمولة السياسية القوية لمشروعي إصلاح مدونة الجماعات المحلية وقانونها الانتخابي وكذا مشاريع إصلاح قوانين الحريات العامة والاستحقاقات السياسية والانتخابية والحزبية التي تلوح في الأفق القريب والمدى المتوسط يجب ألا تطغى عليها الحسابات السياسوية لدرجة حجب ما يواجهنا من تحديات اقتصادية واجتماعية هائلة . إن على طبقتنا السياسية بجميع مشاربها أن تعتبر هذه الاستحقاقات لحظات قوية للتعبئة والانخراط في الجهاد الاقتصادي والاجتماعي.
وعندما ندعو لنبذ السياسية السياسوية التي تقحم من الآن البلاد والعباد في حملة انتخابية سابقة لأوانها ، فإننا نشدد على إعادة الاعتبار للعمل السياسي بالمعنى النبيل للسياسة الذي يستحضر مشروعية الطموحات الشخصية والإنسانية في العمل السياسي ولكنه يجعل غاية هذا العمل افراز رجال دولة يتميزون بالدفاع عن مشروع مجتمعي والتفاني في خدمته لا ابتغاء مصلحة شخصية أو فئوية.
إن إنجاز التنمية والديموقراطية والتحديث يتطلب تحسين وتقوية هياكل الوساطة والتأطير السياسي المتمثلة في الأحزاب السياسية والهيئات النقابية والجمعيات ووسائل الإعلام وتوسيع المشاركة على كل المستويات المحلية والجهوية والوطنية.
وإن المنظمات والهيئات المبنية على الديموقراطية الداخلية واحترام حق الاختلاف والكفائة والحداثة والعقلانية والفعالية والتي يتم تدبيرها كمقاولات سياسية قادرة على إنتاج نخب كفاة ومتشبعة بقيم الفعالية الاقتصادية والتآزر الاجتماعي وتخليق الحياة العامة وإشاعة التربية السياسية الصالحة وابتكار الحلول وطرح المشاريع المجتمعية، من شأنها إعطاء انطلاقة جديدة للديموقراطية المغربية، تحرر الطاقات وتزرع الأمل وتفتح الأفاق. وبنفس الروح الوطنية الصادقة، ندعو النقابة إلى النهوض بمهمة القوة الاقتراحية والتشاركية والتأطيرية والتعبوية للطبقة العاملة لربح رهان الإقلاع الاقتصادي.
كما أننا عازمون، في ما يخص الغرف المهنية، على ترسيخ منظور جديد يجعل منها رافعة حقيقية للاستثمار المنتج وينبذ التعامل معها كمطية انتخابية أو مصلحية ويمدها بنفس جديد يصحح اختلالات واقعها الحالي الذي لا يمكن الاستمرار فيه أو إعادة إنتاجه.
إن نهوض مختلف هذه الهيئات وهؤلاء الفاعلين بالمهام المنوطة بهم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا لمن شأنه أن يعزز ما تقوم به حكومة جلالتنا في جميع المجالات من جهود مخلصة ودؤوبة ومبادرات حميدة من أجل تحقيق الآمال العريضة لشعبنا الأبي في التقدم والازدهار.
حضرات السيدات والسادة أعضاء البرلمان
إن إرادتنا الراسخة هي قيادة شعبنا نحو ديموقراطية تشرك كل الطاقات وتحفزها على خوض معركة الجهاد الاقتصادي والاجتماعي.
وإنه لمجهود ضخم ينتظرنا جميعا وعلينا الإسهام فيه بالفعالية والحماس الذي نوصي المؤسسات التشريعية والتنفيذية أن تتحلى بها مثلما نود أن يتجلى بها سائر الفاعلين في الحقل الوطني.
كما نود أن تصبح قيم المسؤولية والجدية اخلاقا مشتركة بين الجميع سواء لدى الهيئات السياسية والنقابية ومنظمات المجتمع المدني أو لدى سائر القوى المنتجة في الحقلين الاقتصادي والاجتماعي.
فالرهانات التي تنتظر المغرب رهانات حيوية تستدعي استثمار كل الموارد الوطنية لربحها فعلى الكل أن يعلم أن المستقبل يبني من الآن وأن الغد سيكون ثمرة لما ننجزه اليوم، وأن المرور إلى مغرب الغد لا يمكن أن يتم دون القطيعة مع العقليات المتحجرة وترسيخ ثقافة وأخلاق العمل والاعتماد على النفس والاجتهاد والاستقامة وخدمة الصالح العام لأن منطق التطور يفرض بالضرورة منظومة اجتماعية وسياسية قائمة على ممارسة سلوكية جديدة. 
( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)
صدق الله العظيم
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،،،