مجلس النوابالبرلمانمجلس المستشارين

You are here


الخطب الملكية

خطاب المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني بمناسبة افتتاح السنة التشريعية 1997-1998

> الجمعة 26 دجنبر 1997

الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه 


حضرات السادة والسيدات النواب والمستشارين 

أولا أريد أن أهنئكم من صميم القلب على الثقة التي فزتم بها من لدن ناخبيكم. وها أنتم اليوم كما ينص على ذلك الدستور تمثلون أفرادا وجماعات سيادة الأمة المغربية. فعليكم أن تعوا وتفهموا رعاكم الله هذه العبارة: عبارة أن مجلس النواب والمستشارين أي البرلمان المغربي، يجسد السيادة الوطنية، فهذه أمانة لي اليقين أنكم تعطونها قيمتها وأهميتها، وهي تكليف مما لا شك فيه أنكم قد وصلتم إلى أعماقه وحللتموه في أنفسكم فأصبحتم أكثر من ذي قبل ـ كمواطنين واليوم نواب ومستشارين ـ مطوقين بالأمانة مجندين للعمل في سبيل مواطنيكم ووطنكم.

لا أريد أن أرجع إلى الماضي، وسأقول كلمات باختصار في ما يخص مجلس المستشارين، أن مجلس المستشارين هو قبل كل شيء يجمع منتخبي من يعملون يوميا ليكسب المغرب قوت عمله وهم الفلاحون والمأجورون والتجار والصناع والصناع التقليديون وذوو الحرف، رجالا كانوا أم نساء.فكان علينا حين أردنا أن ننتخب مجلس النواب كله مباشرة بالإنتخاب المباشر ألا نتركهم في مجلس استشاري اقتصادي واجتماعي فحسب، بل كان واجبا علينا تكريما لعملهم و لجهدهم ولما يصبونه من عرق جبينهم، أن نعطيهم حظهم كذلك في النظر في أمور البلاد والمشاركة في التشريع، وفي بعض الأحيان و بعض الظروف والشروط أن يقولوا كلمتهم في ما يخص نشاط الحكومة. الأمر هو هذا باختصار وزدنا على هذا أن مجلس المستشارين كذالك يجسد شيئا عزيزا علينا ألا وهو الجهة .

وفكرة الجهة هي التي ستجعل سكان المغرب سواسية في الحقوق وإن كانت تختلف حظوظهم في النماء والتنمية.

فقد عشنا ونحن شباب على خرافة المغرب الصالح والمغرب غير الصالح والمغرب الثري والمغرب الفقير، اليوم يجب أن يكون المغرب بجميع أطرافه مغربا كريما متوفرا على ضروريات العيش للجماعات والأفراد، من تجهيزات تحتية وتجهيزات للنماء الاجتماعي والنماء الاقتصادي والفلاحي وغير ذلك. ولا يمكن أن يسير بنا إلى هذا الهدف إلا الأخذ بعين الاعتبار ما تستوجبه الجهة وما تلزمنا به وما ستخططه مع الحكومة من مخططات للنماء والترقية والرفاه.
إنكم حضرات السادة والسيدات بعد زمن قليل ستضطلعون بمهماتكم. ولا أريد أن أطيل عليكم هنا فيما أنتظره منكم ، فسأقوله في بعض كلمات إذ أن الواجب ما قل تعداده نظرا لمعرفته بالضرورة وما تأكد القيام به من كل مواطن مواطن.
اعلموا حفظكم الله أن الحالة في المغرب اليوم ليس أقبح من الأمس، وحينما أقول الأمس فبمعنى سنة أو ستة أشهر. ولكن المستقبل بالنسبة للعالم كله لا يزيد إلا صراعا على صراعات. ذلك لأنه دخل في دوامة من المصطلحات التكنولوجية كالعولمة أو العقلنة أو مفاهيم لا زال البعض منها فارغا كل الفراغ.

وقد نرى ونحن نتصفح الصحف أن هذه القوانين الاقتصادية والتجارية لم تؤت دائما ما كان منتظرا منها. بل من ركبها ركوبا عشوائيا من شأنه أن يستيقظ يوما ما ليجد أن الحلم كان حلما والواقع أصبح مرا.

وعليكم أن تعلموا حفظكم الله أن خاتم سليمان لا يوجد بيد من يقول بان الدولة يجب عليها أن تقوم بكل شيئ، ولا بيد من يقول بأن الليبرالية العشوائية هي مفتاح كل شيئ، بل يجب علينا أن نكون مرنين في هذا الباب وأن نكون يقظين في هذا المضمار، وأن نكون واقعيين وأن نمزج عند الإقتضاء هذا بذاك لأنه لا ديماغوجية في هذا الباب ولا منهجية إلا أن نعلم أننا في المغرب.

فعلى برلمانكم المجموع في مجلسي النواب والمستشارين أن يشرع للمغرب لا أن يشرع بما يشرع به في بعض الدول والأنظمة. لا، نحن في المغرب، وعملنا خدمة المغاربة وتحليل الحالة في المغرب وهدفنا الرقي بما لنا من وسائل بشرية ومادية بالإنسان المغربي وبالمجتمع المغربي. دخلت هنا إلى قاعتكم وما زال يرن في أذني ـ ولا زلت تحت تأثير عميق ـ ما سمعته وأنا أحي الجمهور من فتاة وهي تنادي " أمولاي الحسن كيخصنا كل شيء " أقول لكم حضرات النواب والمستشارين كونوا معي وأكون معكم لأن المغرب في حاجة إلينا جميعا.

ابتداءا من الأسبوع المقبل ستنهمكون في أول عمل لكم ألا وهو انتخاب رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين، وانتخاب مكتبي هذين المجلسين وحينما تنتهون من عملكم، وأرجو أن تنتهوا من ذلك في أقرب وقت ممكن، سأبدأ آنذاك عملي وسأتصل بالشخصية التي أعتبرها حسب ضميري وما وصلت إليه من يقين، لتشكيل الحكومة التي ستتقدم أمام مجلس النواب لتطلب منه المساندة بالتصويت على برنامجها.

وحتى يتمكن المغرب من أن يسير بخطى ثابثة وحتى يتمكن خادم هذا الشعب المتواضع هذا من أن يكون مطابقا أكثر ما يمكن للواقع، أرجو منكم وبإلحاح حضرات النواب والمستشارين بعدما يتم انتخاب رئيسي ومكتبي المجلسين ألا تتنقلوا من فريق إلى فريق ومن مجموعة إلى مجموعة.

فإذا كان حق التنقل حقا مضمونا بالدستور فمثل هذا العمل بين الفرق البرلمانية من شأنه أن يشتت عاجلا أو قريبا من العاجل، كيانات الأحزاب السياسية الموجودة في البرلمان كيفما كانت وكيفما سميت ولا أخطر على الديموقراطية من الإفراط في سوء استعمال الديموقراطية.

فكونوا رعاكم الله كما أنكم حريصون على وحدة التراب كونوا حريصين على وحدة الكلمة ووحدة الصف.

نعم لكل طريقته ومنهاجه، ولكن هدفنا الأسمى والمقدس هو إثراء هذا الشعب وخدمته والسير به إلى مدارج الرفعة والكرامة والاستمرار، ولا استمرار إلا لله الاستمرار في مستوى تاريخه وأبنائه الذين يستحقون كل تكريم وتبجيل.

واخيرا لنقرأ جميعا هذه الآية لأنها تنطبق على كل واحد منا نحن الموجودين هنا في هذه القاعة وهي من سورة الإسراء .

(وقل ربي أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا)

صدق الله العظيم

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،،،